حصلت جريمة بشعة في أميركا عام 1955، فاتهمت امرأة بيضاء صبياً أسود بالتحرش، وفي الليل اقتحم زوج المرأة وأحد أصدقائه بيت الفتى واختطفوه وقتلوه بعد الضرب والتعذيب ثم قذفوا جثته في النهر، وبعد 3 أيام اكتُشفت جثته المشوهة المنتفخة، وأُرسِل الجثمان إلى أمه المصدومة التي فتحت دار العزاء وأصرت بشدة أن يكون التابوت مفتوحا ليرى الناس الوحشية التي صبها هؤلاء العنصريون على طفل لم يتجاوز عمره 14 سنة، وضج البلد بالنقاش والجدل، وغيّرت هذه الحادثة بعض وجه المجتمع الأميركي، وسُنّت قوانين فيما بعد لرفع بعض الظلم عن السود الأميركان، ما زاد الحادثة إيلاماً أن الفتى بريء، والمرأة اعترفت عام 2017 وهي على فراش الموت أنها كذبت في شهادتها، ولما شعرت باقتراب نهايتها أزاحت العبء الشديد الذي أثقل ضميرها لستة عقود.
هي ليست الوحيدة التي فعلت ذلك، بل الكثير ممن اقترفوا جرائم كبيرة وبعد أن تزول الظروف التي ارتكبوها فيها، يبدؤون في تقييم ما فعلوا، يشعرون بالذنب، وبعضهم إذا اقتربت منيّته اعترف، مثل جيرالدين كيلي التي قتلت زوجها عام 1991م، وأخفت جثته في فريزر في القبو، وقالت لطفلتها: إن والدها مات في حادث سيارة، وبعد 13 سنة لما اشتد مرضها باحت لابنتها أنها قتلته، ودلّت السلطات عليه، ولكن الذي لم يُعرَف هو سبب اعترافها، فهل هو لمجرد التخلص من العبء؟ أم لكي لا تُتّهم ابنتها بالجريمة فيما بعد؟
وليست هذه الاعترافات خاصة بالجرائم الكبيرة فحسب كالقتل، ففي اسكتلندا هناك أسطورة قديمة تقول إن في بحيرة نس (واسمها Loch Ness) وحش غامض لم يره إلا القليلون من أهل الماضي، وفي الثلاثينات الميلادية ذهب رجل إلى صحيفة شهيرة وسلّمهم صورة للوحش، وقال: إنه كان يقود سيارته بمحاذاة البحيرة ورآه يخرج من الماء، فنزل بسرعة وصوّره، ونُشرت الصورة فأثارت ضجة كبيرة استمرت عشرات السنين وصدقها الكثيرون، لكن قبل وفاته وبعد تلك الحادثة بستين سنة اعترف أن الصورة مكذوبة، وأنها مجرد مجسّم صنعه ووضعه في البحيرة وصوّره من بعيد.
كم من اعترافٍ أخير لم يصل إلينا يا ترى؟