هل نحن أفضل من أهل الماضي؟
أو بصيغة أخرى، هل وصلنا إلى ذروة التقدم البشري وتفوقنا على الأسبقين في كل الأوجه؟
سؤال شائق يناقشه المؤرخ ويل دورانت في كتيّب “دروس التاريخ”، خلاصة لمجلدات ضخمة درست الحضارة البشرية في آلاف الصفحات، يلخص فيها مسار الحضارات، مسارات تتكرر في كل حضارة منذ الأزمان القديمة وإلى اليوم، ويقول دورانت أنه على كثرة التغييرات في الظروف والأحوال البشرية فإن طبيعة الإنسان لا تتغير، لذلك فإن كل التطورات التقنية التي نعيشها ليست إلا وسائل للبشر ليكملوا السير على طبيعتهم: الحصول على النساء والمال، التفوق في المنافسة بين الأمم، الانتصار في الحروب. هذه أعظم محفزات الإنسان على مر التاريخ، سواءً زعيم آشوري أو مرزبان ساساني أو ليغاتوس روماني أو رفيق سوفييتي.
أُحبِطنا في القرن الماضي لما علمنا أن العلم ليس خيراً ولا شراً بل محايد: يقتل كما يعالج، ويدمر أعظم مما يبني. العصور السابقة أحكم منا عندما ركّزوا على الفن والميثولوجيا أكثر من العلم والقوة. التقدم العلمي جلب بعض الشر مع الخير، فالراحات التي نعيشها أضعفتنا جسدياً وأخلاقياً، ولما صنعنا وسائل تسريع وتسهيل الحركة استخدمناها في قتل البشر، وصحيح أننا ضاعفنا سرعتنا مرتين وثلاثاً ولكن أحرقنا أعصابنا. تصلنا أخبار العالم كلها في ثوانٍ لكن نغبط أجدادنا الذين عاشوا في راحة بال.
إذاً هل تقدمنا حقاً؟ علينا تعريف كلمة “تقدم”. هل تعني زيادة السعادة؟ إذاً “لا”! فشل ذريع لحالنا! نفسياً صرنا يُرثى لحالنا، فالوحدة والاكتئاب والقلق والضغط والرهاب شاعت جداً. مهما عظمت العقبات التي نذللها بالعلم سنجد دائماً شيئاً نبتئس به. هل التقدم قدرتنا على التحكم بالبيئة والطبيعة؟ حسب هذا التعريف فإننا أفضل بكثير من أي عصر سابق، فالأعمار زادت، والأمراض كثير منها زال، والجهل قل، وصار الناس أكثر علماً وخلقاً.
قد نأخذ أحياناً نظرة رومانسية تجاه بساطة الحياة السابقة لكن لا تنسَ وفيات الأطفال الكثيرة وقصر العمر وضعف الجسم وسرعة التأثر بالمرض. في عصرنا زالت المجاعات وصارت الدول تزرع ما يكفيها وغيرها، والعلم الذي نلومه على بعض المآسي أراحنا من الخرافة والظلامية (كتسلط الكنيسة الرهيب في أوروبا)، وجلب لنا الطعام وملكية المنازل والدعة والتعليم بشكل لم يره التاريخ.
كلا الجانبين لهما ما يدعمهما، بأيهما تأخذ؟
اختار الإنسانية في كلا الجانبين.
استطيع الاستفادة من الانترنت بتعلم شيء ما يفيدني ويضيف إلى معلوماتي، واطبقه في واقعي الملموس واصنع الفنون.
جيد، إذاً لعلك ترى أن التقدم شيء إيجابي وأننا متقدمون على عصور الماضي وأن وضعنا أفضل إجمالاً.