جلس رجل على كرسي.
ظهرت صورة على شاشة أمامه: عينان خائفتان، فقط.
لم يَطُل وقت الصورة، ظهرت واختفت في لمحة. ماذا حصل في مخه؟
نفس ما سيحصل في عقلك لو كنت مكانه: الرجل لم يرَ الصورة في وعيه، لا يتذكر أنه رآها، لكن مخه سجلها. العين التقطتها وأرسلتها بسرعة فائقة لجزء من المخ اسمه اللوزة الدماغية (amygdala) ليحللها، لكن الإرسال كان مباشراً، أي أنه تجاوز المركز البصري الذي ترسِل العين له الأشياء التي تراها. لماذا؟ لماذا تَخطّى المخ المركز البصري وقرر أن يرسل صورة العينين الخائفتين مباشرة لتلك اللوزة الدماغية؟ لأن اللوزة هي مركز الخطر في المخ. الجزء الذي يحلل ويتعامل مع الأخطار. مخ الإنسان مصمم ليعطي الأولوية للأشياء السلبية؛ لأنه يرى فيها الخطر (سواء بسيطاً أو كبيراً). مدهش أيضاً أن الصورة رافقها «إزعاج بصري»: مربعات عشوائية ظهرت حول الصورة لتُصعِّب رؤيتها، ومع ذلك التقط المخ الصورة التي رأى فيها تهديداً لسلامته.
التجربة تكررت نتائجها لكل من جربوها، ولو جربوها عليك وعلى كل إنسان لحصل الشيء نفسه. إنها طبيعة بشرية. تجارب أخرى أظهرت أن مخك يميّز بسرعة وجهاً غاضباً وسط أوجه مبتسمة، لكن يفشل أن يُخرج بسهولة وجهاً مبتسماً بين أوجه عابسة.
حتى الكلمات لا يَغفل عنها عقلك: سيميّز فوراً كلمات يستشعر فيها الخطر مثل «حرب» و«جريمة»، لكنه لن يعطي الاهتمام نفسه لـ«السلام» و«الحب». (هذا من أسباب تكرار الإعلام للأشياء السلبية في الأخبار: لأنهم يعرفون أن عقلك سينتبه فوراً). لو قرأ عقلك مقالة تبدأ بجملة فيها كلمة «القتل الرحيم» – خاصة لمن يعارضونه بشدة – فإن مخك لن يحتاج أكثر من ربع ثانية ليشعر «بالخطر».
علماء درسوا هذه الطبيعة، التي أسموها «غَلَبة السلبية Negativity dominance»، ولخّصوها كما يأتي: «المشاعر السلبية أقوى تأثيراً من الإيجابية. الوالدان الفظّان أقوى تأثيراً من الطيّبَيْن. الانتقاد أقوى من المديح. إن الذات أحْرَص على تجنُّب المشاعر الأليمة من اكتساب المشاعر الطيبة. الانطباعات والسمعات السيئة تتشكل أسرع، وبقاؤها أقوى من نظيرتها الطيبة».
والعلماء الذين أعطونا تلك الخلاصة استشهدوا في بحثهم بكلام أحد كبار خبراء العلاقات الزوجية، الذي لاحظ في دراساته أن العنصر الأهم في الزواج – على المدى الطويل – هو تجنُّب السلبيات أكثر من استجلاب الإيجابيات، أي لو كان لديكِ الخيار أن تتجنّبي مشكلة كبيرة مع زوجك وبين أن تعطيه هدية فالأول أفضل لعلاقتكما. وفي تقدير هذا الخبير فإن الزواج المستقر يجب أن تتفوق فيه المواقف الإيجابية على السلبية بنسبة 5 إلى 1.
هذا المبدأ – طغيان السلبية على الإيجابية – تستطيع أن تلاحظه أيضاً في علاقات الصداقة. نعلم أن صداقة مدتها سنين يمكن أن يدمّرها موقف سلبي.
لكن من نعم الله علينا أن أعطانا عقلاً شديد المرونة. تقدر أن تركز على إيجابيات الناس وليس فقط عيوبهم. من يرى من زميل العمل تصرفاً جافاً فليلاحظ أيضاً خصاله الطيبة، وسيرى أنها أعظم بكثير. من يرى من زوجته موقفاً لا يعجبه فلا يجعله يلخّصها كلها كزوجة بل أيضاً ينظر لخصالها الطيبة التي مِن تَعوّدِه عليها صار لا يراها.
إن أغضبك موقف فانظر لمواقف كثيرة كنت فيها سعيداً أو مرتاحا. السلبية ليس لها سلطة مطلقة، بل تقدر أن تروّضها.