أرى امرأة تأتي كل يوم للمقهى، تأخذ كرسياً، تجلس أمام الواجهة الزجاجية، تشرب القهوة وتتأمل العالم.
يا له من فهم رائع لمبدأ “دولتشي فار نيينتي”!
هذه عبارة إيطالية، dolce far niente تعني “حلاوة أن لا تفعل شيئا”، متعة اللاشيء.
كان هذا صعبا في الماضي، أن تترك الأشغال والهموم وتتلذذ بفترة لا تفعل فيها أي شيء، اليوم هذا أصعب 10 مرات! الملهيات والمُشغلات تضاعفت، تتنافس الشركات على نهب انتباهك وإقحام التنبيهات والضغط للشراء وإطلاق قذائف الدعايات، وألف طريقة أخرى لجعلك مدمناً للجوال، عاجز أن تتنفس لحظة بدونه.
ما أحوج إنسان هذا العصر إلى اللاشيء!
ممارسة اللاشيء ليست أن تمسك بجوالك وتقلّب السوشل ميديا، بل هذا عكس الفكرة تماما. دولتشي فار نيينتي، حلاوة عدم فعل شيء، هي أن تنغمس فعلا في متعة الفراغ. أليس الفراغ نعمة كما في الحديث؟ علامَ تبذّرها بأن تهبها كغنيمة باردة لهذا المستطيل البغيض؟
بل حتى لو لم تمسك به فهو يمسك بك، لاحظ أوقات فراغك كيف أنك تظل مشغول العقل به. حسب مؤسسة Statista، قضى البشر في عام 2022م أكثر من 12 تريليون ساعة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الأرقام تفوق الوقت الذي قضاه البشر في تطوير الابتكارات العظيمة في التاريخ، إذا جمعنا هذه الساعات على مستوى العالم فإننا أمام ما يعادل 1.4 مليون سنة من الوقت المهدور سنويًا!
اجلس في حديقة عامة 10 دقائق واترك الجوال في درج السيارة. تأمل الأطفال يلعبون، تأمل الزرع، القطة الجالسة، النمل المجتهد، صوت الهواء، صوت السكون، اللاشيء، ما أحلاه!